Jul 28, 2012

كتاب جوهر الصقلى الكاتب عبد أمير المؤمنين المعز لدين الله صلوات الله عليه لجماعة أهل مصر الساكنين بها



روى المقريزى قال

وفي جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة صحت الأخبار بمسير عساكر المعز لدين الله من المغرب إلى مصر، عليها عبده جوهر، وكانت بمصر للمعز دعاة استدعوا خلقا في البلد، وكانوا يقولون: إذا زال الحجر الأسود ملك مولانا المعز لدين الله الأرض كلها، وبيننا وبينكم الحجر الأسود يعنون كافور الإخشيدي ، فلما مات كافور أنفذ المعز إلى دعاته بنوداً، وقال: فرقوها على من يبايع من الجند، وأمرهم إذا قربت العساكر ينشرونها، فلما قربت العساكر من الإسكندرية جمع الوزير أبو الفضل جعفر بن الفضل بن جعفر بن محمد ابن موسى بن الحسن بن الفرات الناس وشاورهم، فاتفقوا على مراسلة جوهر، وأن يشترطوا عليه شروطاً، وأنهم يسمعون له ويطيعونه، ثم اجتمعوا على محاربته، ثم انحل ذلك، وعادوا إلى المراسلة بالصلح.

وكانت رسل جوهر ترد سراً إلى ابن الفرات، ثم اتفقوا على خروج أبي جعفر مسلم الحسيني، وأبي إسماعيل الرسي، ومعهما القاضي أبو طاهر، وجماعة، فبرزوا إلى الجيزة لاثنتي عشرة بقيت من رجب، ولم يتأخر عن تشييعهم قائد، ولا كاتب، ولا عالم، ولا شاهد، ولا تاجر، وساروا فلقوا جوهر بتروجة ووافقوه، واشترطوا عليه، فأجابهم إلى ما التمسوه، وكتب لهم: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من جوهر الكاتب عبد أمير المؤمنين المعز لدين الله صلوات الله عليه لجماعة أهل مصر الساكنين بها، من أهلها ومن غيرهم: أنه قد ورد من سألتموه الترسل والاجتماع معي، وهم: أبو جعفر مسلم الشريف أطال الله بقاءه وأبو إسماعيل الرسي أيده الله وأبو الطيب الهاشمي أيده الله .

وأبو جعفر أحمد بن نصر أعزه الله والقاضي أعزه الله .

وذكروا عنكم أنكم التمستم كتابا يشتمل على أمانكم في أنفسكم وأموالكم وبلادكم وجميع أحوالكم، فعرفتم ما تقدم به أمر مولانا وسيدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وحسن نظره لكم. فلتحمدوا الله على ما أولاكم، وتشكروه على ما حماكم، وتدأبوا فيما يلزمكم، وتسارعوا إلى طاعته العاصمة لكم، العائدة بالسلامة لكم، وبالسعادة عليكم، وهو أنه صلوات الله عليه لم يكن إخراجه للعساكر المنصورة، والجيوش المظفرة إلا لما فيه إعزازكم وحمايتكم والجهاد عنكم، إذ قد تخطفتكم الأيدي، واستطال عليكم المستذل وأطمعته نفسه بالاقتدار على بلدكم في هذه السنة، والتغلب عليه وأسر من فيه، والاحتواء على نعمكم وأموالكم حسب ما فعله في غيركم من أهل بلدان المشرق، وتأكد عزمه، واشتد كلبه، فعاجله مولانا وسيدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه بإخراج العساكر المنصورة، وبادره بانفاذ الجيوش المظفرة دونكم، ومجاهدته عنكم وعن كافة المسلمين ببلدان المشرق، الذين عمهم الخزي، وشملتهم الذلة، واكتنفتهم المصائب وتتابعت الرزايا، واتصل عندهم الخوف وكثرت استغاثتهم، وعظم ضجيجهم، وعلا صراخهم، فلم يغثهم إلا من أرمضه أمرهم، ومضه حالهم، وأبكى عينه ما نالهم، وأسهرها ما حل بهم، وهو مولانا وسيدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، فرجا بفضل الله، وإحسانه لديه، وما عوده وأجراه عليه استنقاذ من أصبح منهم في ذل مقيم، وعذاب أليم، وأن يؤمن من استولى عليه الوهل، ويفرخ روع من لم يزل في خوف ووجل، وآثر إقامة الحج الذي تعطل وأهمل العباد فروضه وحقوقه لخوف المستولى عليهم، وإذ لا يأمنون على أنفسهم ولا على أموالهم، وإذ قد أوقع بهم مرة بعد أخرى، فسفكت دماؤهم، وابتزت أموالهم، مع اعتماد ما جرت به عادته من صلاح الطرقات، وقطع عبث العابثين فيها، ليتطرق الناس آمنين، ويسيروا مطمئنين، ويتحفوا بالأطعمة والأقوات، إذ كان قد انتهى إليه صلوات الله عليه انقطاع طرقاتها، لخوف مادتها، إذ لا زاجر للمعتدين، ولا دافع للظالمين.

ثم تجديد السكة، وصرفها إلى العيار الذي عليه السكة الميمونة المنصورية المباركة، وقطع الغش منها، إذ كانت هذه الثلاث خصال هي التي لا يتسع لمن ينظر في أمور المسلمين إلا إصلاحها، واستفراغ الوسع فيما يلزمه منها.

وما أوعز به مولانا وسيدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه إلى عبده من نشر العدل، وبسط الحق، وحسم الظلم، وقطع العدوان، ونفى الأذى، ورفع المؤن، والقيام في الحق، وإعانة المظلوم مع الشفقة والإحسان، وجميل النظر، وكرم الصحبة، ولطف العشرة، وافتقاد الأحوال، وحياطة أهل البلد في ليلهم ونهارهم، وحين تصرفهم في أوان ابتغاء معاشهم، حتى لا تجري أمورهم إلا على ما لم شعثهم، وأقام أودهم، وأصلح بالهم، وجمع قلوبهم، وألف كلمتهم، على طاعة وليه ومولانا وسيدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وما أمر به مولاه من إسقاط الرسوم الجائرة التي لا يرتضي صلوات الله عليه بإثباتها عليكم.

وأن أجريكم في المواريث على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأضع ما كان يؤخذ من تركات موتاكم لبيت المال من غير وصية من المتوفى بها، فلا استحقاق لمصيرها لبيت المال.

وأن أتقدم في رم مساجدكم، وتزيينها بالفر والإيقاد، وأن أعطى مؤذنيها وقومتها ومن يؤم الناس فيها أرزاقهم، وأدرها عليهم، ولا أقطعها عنهم، ولا أدفعها إلا من بيت المال، لا بإحالة على من يقبض منهم.

وغير ما ذكره مولانا وسيدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه مما ضمنه كتابه هذا ما ذكره من ترسل عنكم أيدهم الله، وصانكم أجمعين بطاعة مولانا وسيدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه من أنكم ذكرتم وجوها التمستم ذكرها في كتاب أمانكم، فذكرتها إجابة لكم، وتطمينا لأنفسكم.

وإلا فلم يكن لذكرها معنى، ولا في نشرها فائدة، إذ كان الإسلام سنة واحدة، وشريعة متبعة، وهي إقامتكم على مذهبكم، وأن تتركوا على ما كنتم عليه من أداء الفروض في العلم، والاجتماع عليه في جوامعكم ومساجدكم، وثباتكم على ما كان عليه سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين بعدهم، وفقهاء الأمصار الذين جرت الأحكام بمذاهبكم وفتواهم، وأن يجرى الأذان، والصلاة، وصيام شهر رمضان وفطره، وقيام لياليه، والزكاة، والحج، والجهاد على أمر الله وكتابه، وما نصه نبيه صلى الله عليه وسلم في سنته، واجراء أهل الذمة على ما كانوا عليه.

ولكم علي أمان الله التام العام، الدائم المتصل، الشامل الكامل، المتجدد المتأكد على الأيام وكرور الأعوام، في أنفسكم، وأموالكم، وأهليكم، ونعمكم، وضياعكم، ورباعكم، وقليلكم وكثيركم.

وعلى أنه لا يعترض عليكم معترض، ولا يتجنى عليكم متجن، ولا يتعقب عليكم متعقب.

وعلى أنكم تصانون وتحفظون وتحرسون، ويذب عنكم، ويمنع منكم، فلا يتعرض إلى أذاكم، ولا يسارع أحد في الاعتداء عليكم، ولا في الاستطالة على قويكم فضلا عن ضعيفكم .

وعلى أن لا أزال مجتهدا فيما يعمكم صلاحه، ويشملكم نفعه، ويصل إليكم خيره، وتتعرفون بركته، وتغتبطون معه بطاعة مولانا وسيدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه .

ولكم علي الوفاء بما التزمته، وأعطيتكم إياه، عهد الله، وغليظ ميثاقه وذمته، وذمة أنبيائه ورسله، وذمة الأئمة موالينا أمراء المؤمنين قدس الله أرواحهم ، وذمة مولانا وسيدنا أمير المؤمنين المعز لدين الله صلوات الله عليه فتصرحون بها وتعلنون بالانصراف إليها، وتخرجون إلي وتسلمون علي، وتكونون بين يدي، إلى أن أعبر الجسر، وأنزل في المناخ المبارك، وتحافظون من بعد على الطاعة، وتثابرون عليها، وتسارعون إلى فروضها، ولا تخذلون وليا لمولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وتلزمون ما أمرتم به، وفقكم الله وأرشدكم أجمعين.

وكتب القائد جوهر الأمان بخطه في شعبان سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة.

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين الأخيار.

وكتب بخطه في هذا الكتاب: قال جوهر الكاتب عبد أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه الأكرمين : كتبت هذا الأمان على ما تقدم به أمر مولانا وسيدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وعلى الوفاء بجميعه لمن أجاب من أهل البلد وغيرهم على ما شرطت فيه.

والحمد لله رب العالمين، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين.

وكتب جوهر بخطه في التاريخ المذكور: وأشهد جوهر على نفسه جماعة الحاضرين وهم: أبو جعفر مسلم بن محمد بن عبيد الله الحسيني.

وأبو إسماعيل إبراهيم بن أحمد الرسي الحسني.

وأبو الطيب العباس بن أحمد الهاشمي.

والقاضي أبو الطاهر محمد بن أحمد.

وابنه أبو يعلى محمد بن محمد.

ومحمد بن مهلب بن محمد.

وعمرو بن الحرث بن محمد.

وأخذ منه أبو جعفر مسلم كتابا إلى أبي الفضل جعفر بن الفرات الوزير وجماعة وجوه الدولة، وخاطب ابن الفرات في كتابه بالوزير بعد مراجعة، وكان قد توقف في مخاطبته بالوزير، وقال: ما كان وزير خليفة، وأجاز الجماعة وحملهم، ولم يقبل أبو جعفر مسلم شيئا منه، وأكلت الجماعة معه، وودعوه وانصرفوا، فوافوا لثمان خلون من شعبان.

المصدر: اتعاظ الحنفاء للمقريزى 

No comments:

Post a Comment