Jul 3, 2012

فى سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة كثر سعي الوشاة بين الحافظ والوزير فتخوف كل منهما من الآخر، وقبض الوزير على عدة من خواص الحافظ



روى المقريزى قال

فى سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة زاد السعر وبلغ القمح ثلاثة دنانير للإردب، فبيعت الغلال التي كان الأفضل خزنها، وقد تغيرت وأرادوا رميها في النيل، فكانت تقطع بالفئوس وتباع بأربعين ديناراً كل مائة إردب، وكذلك الأرز الذي كان مخزوناً بمصر فإنه أبيع بعشرة دنانير المائة؛ فوجد الناس بذلك رفقا.

وفيها كثر سعي الوشاة بين الحافظ والوزير فتخوف كل منهما من الآخر، وقبض الوزير على عدة من خواص الحافظ، منهم أبو المعالي بن قادوس، وابن شيبان المنجم، ورئيس اليهود، وجماعة؛ فقتلهم. فسير الحافظ من أحضر إليه بهرام في رمضان؛ فلما حضر أسكنه عنده بالقصر وأكرمه، وشق ذلك على رضوان. وكان الحافظ قد تلطف برضوان في أمر بهرام وقرر معه أ، يستدعيه وينزله في القصر، وحلف له أنه لا يوليه أمراً ولا يمكنه من تصرف؛ فتسامح رضوان في أمره. واستدعى فحضر بأهله وأنزل في دار بالقصر قريبة من المحول، وهو قريب من سكن الحافظ، فكان يستحضره في غالب الليالي ويستشيره ويعمل برأيه.

ولما كان يوم عيد الفطر ركب الوزير مع الحافظ وعليه من الملابس ما لم يلبسه أحد من الوزراء في مثل ذلك اليوم، وعاد إلى القصر وفي نفس الحافظ منه أشياء تبينها رضوان في وجه الحافظ وعلمها منه، فاشمأزت نفسه مع ما كان فيه من الطيش، فركب في تاسع شوال وزحف إلى القصر؛ فكلمه الخليفة من بعض طاقات المنظرة التي تطل على باب الذهب، وجرى بينهما كلام اجترأ فيه على الخليفة. وعاد إلى داره بعد أن احتاط بالقصر واحتفظ بالأبواب، فانتفض الناس لذلك بالقاهرة ومصر، وكثرت الأراجيف.

وفي تلك الحالة نزل بعض أولاد الحافظ من القصر هارباً إلى رضوان، وكان شيخا ومعه ولد له، ليقيمه خليفة، فلم يكترث به، وأحضر إسماعيل بن سلامة الداعي، وقال له: ما تقول في هذا الرجل، هل يصلح لما التمسه ؟ فقال: الخلافة لها شروط ونواميس ما في هذا منها شيء، وتحتاج إلى نصوص، ولولا أنم مولانا الآمر نص على مولانا الحافظ وأودعه سر الخلافة لما ثبتت فيه ولا استجاب له الناس. فلم يحصل سوى أنه كان مشئوماً على نفسه وأهله، فإن الحافظ لما بلغه ذلك قتله وقتل جماعة منهم كثيرة.

ثم إن الحافظ لما رأى فعل رضوان وتعديه وكثرة من انضم إليه من العسكر عمل في التدبير عليه وأرسل إلى صبي من الجند يعرف بشومان، وكانت فيه شهامة وجرأة وهو من صبيان الخاص، فأحضره إليه من أحد السراديب سراً وأرسله إلى علي بن السلار، أحد أمراء الدولة، يأمره بالتدبير على رضوان، وأنفذ معه مالاً إليه ليستعين به على ذلك. وكان علي بن السلار عاقلاً صاحب حزم ويقظة وحسن تأت مع قوة وصرامة.

فلما جاءه القاصد بالمال وبلغه عن الخليفة ما قال انتهز الفرصة وأرسل إلى جماعة من صبيان الخاص وقرر معهم أن يجتمعوا ويدخلوا من باب زويلة كردوسا واحداً وهم يصيحون: الحافظ يا منصور؛ وفرق فيهم ما أرسله إليه الخليفة.

فلما كان يوم الاثنين، الثالث عشر من شوال، اجتمع بظاهر القاهرة منهم نحو العشرين وأقبلوا من باب زويلة يصيحون: يا للحافظ، الحافظ يا منصور؛ فما وصلوا إلى الشرايحيين الذي يعرف اليوم بالشوايين، حتى صاروا نحو الخمسمائة، وما وصلوا بين القصرين إلا والعسكر جميعه من فارس وراجل معهم، ولم يبق من الصبيان والعوام أحد حتى خرج النساء، وأشرف النساء من الطاقات، وصاروا بأجمعهم يصيحون: يا للحافظية.

فلما سمع رضوان الضجيج أراد أن يركب، فمنعه بعض غلمانه فأبى عليه لأنه كان واثقا بنفسه وبمن معه؛ وخرج وحده بغير سلاح ليس معه سوى سيف، فلقي الناس بنفسه وطردهم يميناً وشمالا، وظهر منه شجاعة تعجب منه من شاهدها، فإنه لقي ألوفاً من الناس بمفرده ولم يزل يحمل عليهم حملةً بعد حملة إلى أن قتل منهم عدة. وكان أخوه إبراهيم قد بلغه الخبر، فركب من داره وأمسك عنه من يجيئه من ناحية قصر الشوك، وشدت الريحانية ورجعوا إليه من ناحية زيادة الجامع الحاكمي ودرب الفرنجية.

فلما طال عليه وتيقن أن القوم بأجمعهم قد تمالئوا على حربه، وكان قد انقضى من النهار أربع ساعات، وأشرف عليه الأستاذون من ناحية باب الريح من أعالي القصر يرشقونه بالنشاب ويرمونه بالطوب، تحير. وكان ابن أخته والي مصر، فبلغه الخبر، فقام بجميع غلمانه وسار لنجدة خاله، فوجد عند باب زويلة من بلغه الخبر بأنه لا يقدر على الوصول إليه؛ فسار من ناحية باب البرقية ومعه بوقات وطبول، فسمع إبراهيم، أخو رضوان، أصوات البوقات والطبول من جهة باب البرقية، فأنفذ إلى أخيه رضوان يقول له: قد تفرق علينا العسكر وجاء من ناحية قصر الشوك، وقد قاطع الراجل علينا من ناحية باب النصر.

فلما بلغ رضوان ذلك أيقن بالهلاك إن وقف، فما زال يتأخر قليلاً قليلاً حتى صار في رحبة باب العيد عند دار سعيد السعداء، وبعث إلى داره، التي هي دار الوزارة من أخذ له شيئاً منها على سبيل الخطف، وأوصى إلى أخيه، فانضم إليه هو ومن معه من أصحابه وفيهم أبي الفوارس وقدارة بن أبي عزة وشاور بن مجير السعدي، وجماعة من خواصه، وخرجوا من باب النصر. فما هو إلا أن صار بظاهر القاهرة اقتحم الناس دار الوزارة ونهبوها حتى لم يتركوا فيها شيئاً.

وما وصل رضوان إلى تربة أمير الجيوش إلا وقد تلاحق كثير من المغافرة، وكان قد أسلف عند العرب أيادي وأفاض عليهم نعماً وأحسن إليهم إحساناً كثيرا في مدة وزارته، فأدركه رجل من العرب يقال له سالم بن المحجل، أحد شياطين الإنس، وحسن له المسير إلى الشام.

واشتغل الناس بنهب دار الوزارة، وكان قد جمع فيها رضوان أكثر أموال ديار مصر وشحنها بالذخائر وأنواع السلاح والعدد والآلات والغلال، فانتهب جميع ذلك، وأحرقت أخشاب تعب الملوك في تحصيلها. وكان نهب دار الوزارة أول ضرر دخل على الدولة.

وطلب رضوان الشام، فدخل عسقلان وملكها وجعلها معقله، وتوجه أخوه إلى الحجاز وأقام بها حتى مات؛ وسار ابن أخته إلى بغداد فأكرمه أصحاب الخليفة هناك ولم يزل عندهم إلى أن مات.

وخرج رضوان من عسقلان ولحق بصلخد، فنزل على أمين الدولة كمشتكين صاحبها فأكرمه وأبره، وأقام عنده ثلاثة أشهر. ثم أنفذ إلى دمشق، واستفسد من الأتراك بها من قدر عليه.

المصدر: اتعاظ الحنفاء للمقريزى 

No comments:

Post a Comment